تحركات الرباعية الدولية تجاه الازمة السودان.. قراءة سياسية واستراتيجية
طرحت اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، في بيانها الأخير الصادر في واشنطن في 12 سبتمبر الجاري، خريطة طريق جديدة لتسوية الأزمة في السودان، ودعت إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تعقبها ما وصفته بعملية انتقالية شاملة في البلاد تُختتم خلال تسعة أشهر، وحذرت من أن الوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر على السلام والأمن في البلاد.
لقاء الرباعية كان بناءً على دعوة من أميركا، أكد فيه وزراء خارجية كل من السعودية فيصل بن فرحان، ومصر بدر عبد العاطي، والإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، والولايات المتحدة ماركو روبيو، أن سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية للسلام والاستقرار، وأن مستقبل الحكم متروك للشعب السوداني ليقرره من خلال عملية انتقالية شاملة وشفافة، لا تخضع لسيطرة أي طرف من الأطراف المتحاربة. وحذرت، في بيانها، من أن الدعم العسكري الخارجي لأطراف النزاع في حرب السودان يسهم في تكثيف النزاع وإطالته، ويساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي، و”عليه، يُعدّ وقف الدعم العسكري الخارجي أمراً أساسياً لإنهاء النزاع”. وأكدت الدول الأربع التزامها باستعادة السلام وإنهاء معاناة الشعب السوداني، واستعدادهم للتعاون مع الدول والمؤسسات الأفريقية والعربية، والأمم المتحدة، والشركاء الدوليين لتحقيق هذه الغايات.
وأعرب الوزراء عن دعمهم للجهود التي تبذلها السعودية والولايات المتحدة من خلال عملية جدة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في السودان، وكذلك للجهود التي تبذلها مصر فيما يتعلق بملتقى القوى المدنية والسياسية السودانية الذي عُقدت جولته الأولى في القاهرة خلال يوليو 2024.
بيان الرباعية.. المرامي البعيدة
لم يكن بيان الرباعية مجرد دعوة تقليدية لوقف الحرب واستعادة الانتقال الديمقراطي، بل مثّل منعطفاً في خطاب المجموعة ونظرتها للأزمة السودانية؛ فقد حمل البيان دعوة صريحة إلى أن تكون عملية الانتقال “غير خاضعة لسيطرة أي طرف متحارب”، كما شدّد على استبعاد ما أسماه “الجماعات المتطرفة العنيفة أو تلك المرتبطة بشكل واضح بجماعة الإخوان المسلمين” من المشاركة في رسم مستقبل البلاد، حيث ترمي الرباعية من الدعوتين السابقتين إلى أن تسلب الجيش صفة سلطة الأمر الواقع، وأن تتحكم في معادلة الانتقال ومخرجاته.
من المؤكد أن هناك اسبابا دفعت الرباعية لأن تنحو هذا النحو الجديد، وهو ما يبدو أنه محاولة مكشوفة لنزع شرعية الأمر الواقع، المعترف بها في القانون الدولي ولدى مجلس الأمن، عن القوات المسلحة ومجلس السيادة ورئيسه، وفي ذلك تمهيد لأن تُوكل مهمة إعادة البلاد إلى المسار المدني إلى جهة أخرى لم يسمها البيان، خلاف القوات المسلحة، ولا يخفى أن السبب في ذلك أن القوات المسلحة السودانية لن تنيط هذه المهمة بمن ترغب «بعض» دول الرباعية في إعادتهم إلى إدارة المشهد السوداني، كما أن المجتمع الدولي لم يقف عند حد الاعتراف بالقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الانتقالي كسلطة لانجاز الانتقال للحكومة ذات القيادة المدنية، بل اعترف بأهم خطوة اتخذت في هذا المسار وهي تعيين الدكتور كامل الطيب ادريس رئيسا للوزراء في 19 مايو الماضي.
من مرامي الرباعية أنها تريد دعم عملية انتقالية تحت إشرافها، لأن ذلك يمنح أمريكا وحلفاءها (خصوصاً الإمارات والسعودية) القدرة على ضبط مسار الأحداث ومنع تمدد النفوذ الروسي/الإيراني. ومن اشراط ذلك إقصاء الإسلاميين وإيجاد نظام تابع يمكن التعامل معه اقتصاديًا وأمنيا ويعد حليفا للغرب يساعد في كسب مواقع استراتيجية في سباق النفوذ في إفريقيا.
يلاحظ أيضا أن الرباعية تجاوزت في وصفها الإسلاميين السودانيين بالتطرف، ومعلوم أن تصنيف أي جماعة على أنها متطرفة أو إرهابية لا يلزم المجتمع الدولي إلا إذا صدر بموجب قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، كما حدث مع «داعش» و«القاعدة». وحيث إن جماعة الإخوان المسلمين ليست مصنفة إرهابية من الأمم المتحدة، فهي كذلك غير مصنفة من الاتحاد الإفريقي أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأوروبي؛ فالنص على الإخوان المسلمين في بيان لمجموعة دولية والمطالبة بإقصائهم عن تشكيل مستقبل السودان هو موقف لا علاقة له بخيارات السودانيين ولا مسيرة فترتهم الانتقالية، بل يعكس هواجس سياسية داخلية للجهات التي صاغت البيان، لا شأن للسودانيين بها.
ردود الافعال
بينما رحبت بعض القوى السياسية السودانية بخريطة اللجنة الرباعية لإنهاء حرب السودان، تحفظت وزارة الخارجية السودانية، على مضمون الخريطة من دون ذكر اللجنة الرباعية، أعلنت عن ترحيب السودان بأي جهد إقليمي أو دولي يساعده في إنهاء الحرب ووقف هجمات “مليشيا آل دقلو الإرهابية” في إشارة إلى “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على المدن والبنية التحتية ورفع الحصار عن المدن وتفكيكها، بحيث لا يتكرر ما اُرتكب من مآسٍ وجرائم في حق شعب السودان مرة أخرى.
وأضافت الوزارة، أنّ الحكومة السودانية “لا تقبل أي تدخلات دولية أو إقليمية لا تحترم سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية المسنودة من الشعب السوداني، وحقها في الدفاع عن شعبها وأرضها، كما أنها ترفض أي محاولة للمساواة بينها وبين مليشيا إرهابية عنصرية تستعين بمرتزقة أجانب من مختلف بقاع الأرض لتدمير الهوية السودانية وطمسها”. وأكدت الوزارة أن “انخراط الحكومة مع أي طرف كان في الشأن السوداني يعتمد وبشكل واضح على احترام سيادته الوطنية وشرعية مؤسساته القومية مبدأً وواقعاً”.
وأشارت إلى أن الحكومة “تؤكد رغبتها في تحقيق السلام والأمن والاستقرار وحقن دماء الشعب السوداني والمحافظة على مقدراته، وتأسف لعجز المجتمع الدولي عن إلزام المليشيا الإرهابية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن (2736) و(1591)، ورفع الحصار على مدينة الفاشر وتخفيف معاناة مواطنيها من شيوخ ونساء وأطفال والسماح بمرور قوافل الإغاثة”. ولفتت الوزارة إلى أن “تحقيق السلام في السودان هو مسؤولية حصرية لشعب السودان ومؤسسات الدولة القائمة وأن شعب السودان هو الوحيد الذي يحدد كيف يُحكم من خلال التوافق الوطني”، مشددة على أن “الانخراط في القضايا الداخلية هو حق سيادي تمنحه حكومة السودان وفقاً للمصالح العليا للشعب السوداني دون وصاية من أي جهة أو تحالف”.
مراقبون يرون أن دول الرباعية تعلم تماما أن انتصار الجيش على الميليشيا يعني تغييرا كاملا على المسرح السياسي في السودان، وهو التغيير الذي سوف يفرز قيادات جديدة، ليس لها أية ارتباطات خارجية، ولا يمكن توظيفها لخدمة مصالح خارجية، وتتخوف منه تلك الدول، لذلك تسعى أن يكون لها دورها في وقف الحرب حتى تعزز دور سدنتها مستقبلا خدمة لمصالحها.
ولاحظ مراقبون كذلك في الحرب السودانية أنه كل ما تقدم الجيش في المعارك، وحقق انتصارات، تلهث الامارات وراء الدول وخاصة أمريكا و بريطانيا وعدد من دول الإقليم لكي تصدر مثل هذه البيانات، لتعطل وتقلل من انتصارات الجيش، لأن انتصار الجيش لا يقف في حدود تغيب الميليشيا عن الساحة السياسية و العسكرية، بل سيتبعه فضح لكل ممارسات الأمارات الضارة بالشعوب الأفريقية في القارة.
وصف محللون أيضا البيان الصادر عن الرباعية بشأن الأزمة السودانية بأنه ” نص من مسرح العبث”، وتساءلوا: هل من عبث أكثر من أن تمول وتسلح مليشيا وتدعمها بكافة أشكال الدعم اللوجستي ثم تطالب بضرورة إيقاف تدفق السلاح؟، وهل من عبث يفوق عبث وضع السيناريوهات لتقسيم الدول لنهب مواردها ثم تتحدث عن ضرورة وحدتها؟ هل من عبث يمكن أن يتجاوز عبث المطالبة بحماية المدنيين وانت تطبق عليهم الحصار الخانق حتى باتوا يأكلون من خشاش الأرض؟
يمكن القول أن تحالف دول الرباعية ليس هيئة أممية تملك الحق في اصدار القرارات النافذة والملزمة، وبالتالي لا يعتد بما يصدر عن هذا التحالف، كما أن الرؤية التي تقول أن أمريكا تسعي إلى إبعاد الإسلاميين عن الحكم تحتاج إلى مراجعة، لأنها قد تكون جزءا من أدوات اللعبة الي حين استنساخ (جولاني سوداني)، أي أنها تريد نسخة سودانية تتفرج على تدمير الجيش وتفكيكه وتغض الطرف عن تجزئة البلاد، وتسمح لدول الجوار بتجاوز الحدود وبناء مراكز الدفاع المتقدمة، وربما تدس أنفها في شؤون مكونات المجتمع السوداني بذريعة حمايتها استجابة لاستغاثتها.
السيناريوهات المتوقعة
- سيناريو استمرار تقدم الجيش المضطرد في كردفان ودارفور، واستمرار الفاشر في الصمود مما يعني تراجع فرص قبول خط الرباعية كخط دولي، بل قد تُنقلب الرباعية (أو على الأقل تُخفّف لهجتها) لصالح قبول استمرار الجيش في إدارة الانتقال في السودان والقبول بالحكومة المدنية برئاسة د.كامل إدريس.
- سيناريو الجمود والمراوحة، بأن تتظاهر الأطراف العسكرية بالرغبة في الحوار، ولكنها تستمر في القتال للسيطرة على المزيد من الأرض، مما يعني استمرار الأمر على ما هو عليه.
- سيناريو تصعّيد الأطراف ضد الرباعية إعلاميًا وسياسيًا، وتزايد التدخلات الإقليمية بدعم طرف ضد آخر، ما يعني اتساع رقعة الحرب ربما لتشمل مناطق جديدة، وهو ما يضع البلاد على شفا التقسيم إلى سلطات أمر واقع.
مراجع
- أيمن إبراهيم، خريطة الرباعية لإنهاء حرب السودان… موازنة دقيقة بين مصالح متباينة، العربي الجديد، 14 سبتمبر 2025، الرابط: https://shorturl.at/zkXqp
- مجدي عبد القيوم، بيان الرباعية.. قراءة في نص من مسرح العبث، صحيفة مداميك، 14 سبتمبر 2025, الرابط: https://www.medameek.com/?p=183449 .
- زين العابدين صالح عبد الرحمن، قراءة مغايرة لبيان الرباعية، 15 سبتمبر2025، المجد الإخبارية، الرابط: https://almajdnews.com/archives/21301
- Areig Elhag ,To Resolve Sudan’s Conflict, Merge the Jeddah and Quad Tracks,Jul 2, 2025,In: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/resolve-sudans-conflict-merge-jeddah-and-quad-tracks
- محمد الأمين أبوزيد، بيان الرباعية الدولية: قراءة تحليلية وسيناريوهات محتملة، صحيفة الهدف، 14 سبتمبر 2025م، الرابط: https://shorturl.at/bE1hV
- الدرديري محمد أحمد، الرباعية.. الدعوة إلى انتقال بلا منتصرين، تسامح نيوز، 15/9/2025، الرابط:https://shorturl.at/taRzS