النزاعات الداخلية والإقليميةتقدير موقف

لقاء البرهان ومسعد بولس..  هل ثمة حل أمريكي لأزمة الحرب في السودان..؟

اللقاء السري الذي جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بمستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، في زيورخ السويسرية، أخيرا، هو الأعلى مستوًى على هذا الصعيد منذ أشهر، ويندرج في إطار تعزيز واشنطن جهودها للسلام في السودان، وأثار ردود فعل واسعة، بينما تكتمت الحكومة على تفاصيل اللقاء الذي انعقد لمدة ثلاث ساعات في مدينة زيورخ، وتناول قضية وقف الحرب في البلاد، وإيصال المساعدات الإنسانية، والمساهمات الدولية لإعادة الإعمار، ولم يتم الكشف عن نتائجه وما تمخض عنه.

تفاصيل اللقاء

أظهرت سجلات رحلات الطيران أن البرهان سافر من بورتسودان إلى سويسرا على متن طائرة قطرية أميرية يوم الاثنين 11 أغسطس، وعاد إلى بورتسودان صباح الثلاثاء 12 أغسطس، على رأس وفد ضم مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ووزير الدولة بوزارة الخارجية السفير عمر صديق، بينما تحفظت مصادر على ذكر أسماء أعضاء الوفد المرافق للبرهان، بالقول:” رافقه في الزيارة أحد مستشاريه، وضباط من الاستخبارات العسكرية، وأفراد من طاقم المكتب والحراسة”.

ورشحت معلومات أن اللقاء بحث مقترحا أميركيا لوقف إطلاق نار شامل وإيصال المساعدات الإنسانية، دون إعلان رسمي عن فحوى النقاشات، كما تسلم البرهان المقترح الأميركي قبل مغادرته إلى سويسرا، وأبلغ البرهان مسعد بولس بأن (الدعم السريع) ليس لها دور سياسي مستقبلي في السودان.

وذكرت إحدى المنصات أن البداية كانت بتلقي القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، اتصالًا هاتفيًا من المستشار الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، مسعد بولس، قبل أيام من سفره إلى سويسرا، حيث جرى نقاش موسع حول خارطة الطريق التي اتفقت عليها مجموعة “الرباعية” بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

كما كشف المصدر أن بولس أجرى اتصالًا بالبرهان من تركيا يوم الجمعة 3 أغسطس 2025، عقب اجتماع جمعه بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحضور السفير الأمريكي لدى تركيا توم باراك، وتناول النقاش الأوضاع في السودان وخارطة الحل المطروحة من الولايات المتحدة، بموافقة دول الرباعية: السعودية، ومصر، والإمارات. وقد وجه بولس الدعوة للبرهان للقاء في سويسرا خلال هذه المكالمة.

يرى مراقبون أن لقاء البرهان بولس يشكل محطة مفصلية، ولم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل نافذة لفهم إستراتيجيات الحرب، والأمن البحري والتوازنات الإقليمية؛ ليكسر جمودا سياسيا دام شهورا، ويعيد السودان إلى قلب حسابات البيت الأبيض، ووصف اللقاء بأنه جلسة “تحديد مصير” بين طرف يملك قوة السلاح على الأرض، وآخر يملك مفاتيح التأثير الدولي، في ظل تحولات السياسة الأميركية نحو السودان، من سياسة التوازن بين الأطراف إلى سياسة تحديد المسؤولية، بحيث أصبحت واشنطن أكثر وضوحا في تحميل الدعم السريع مسؤولية الجرائم والانتهاكات.

كما أن مسعد بولس شخصية لها وصول مباشر إلى الرئيس الأميركي، بخبرة واسعة في الملفات الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وأفريقيا، واختياره لحمل رسالة واشنطن إلى البرهان يعني أن السودان أصبح موضوع صفقات دبلوماسية مباشرة، حيث تتداخل الاعتبارات الأمنية مع الاستثمارات الاقتصادية، وتصبح المنطقة الإستراتيجية للبحر الأحمر محور اهتمام أميركي خليجي متزامن.

دور قطر في لقاء البرهان بولس

كشفت مجلة “أفريقيا كونفيدينشال” البريطانية أن لقاء البرهان بولس تم بترتيب كامل من دولة قطر، التي لعبت دورًا محوريًا في ضمان انعقاده والحفاظ على سريته، وأوضحت المجلة أن قطر هي من أقنعت البرهان بالمشاركة في الاجتماع، كما وفرت له طائرة خاصة أقلّته إلى زيورخ، وتولت ترتيبات سرية اللقاء. وأشارت إلى أن الدوحة تسعى للعب دور استراتيجي في الملف السوداني، مستفيدة من موقعها كأداة دبلوماسية مرنة في المنطقة، إذ تحافظ على علاقات متوازنة مع كلٍّ من الإسلاميين والقوات المسلحة السودانية. وأضافت المجلة أن قطر سبق وأن لعبت أدوارًا مشابهة في ملفات أفغانستان، غزة، سوريا، الكونغو كينشاسا ورواندا.

أكد تقرير المجلة أن اللقاء السري بين بولس والبرهان عُقد في وقت حساس بعد فشل اجتماع مبكر في يونيو الماضي مع سفراء دول الرباعية (الولايات المتحدة، الإمارات، مصر، السعودية). ونقلت المجلة أن هذا الاجتماع في زيوريخ عُدّ أول مؤشر على تقدم جدي في مسار المفاوضات السودانية منذ أكثر من عام، في ظل تعقيدات الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، ولفتت المجلة إلى أن الاجتماع كان مهمًا لدرجة أنه دفع نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، إلى زيارة زيوريخ للقاء بولس في اليوم التالي مباشرة، ما يكشف حجم التنافس الإقليمي على التأثير في الملف السوداني، وأشارت المجلة إلى أن اجتماعات بولس جاءت في وقت تواجه فيه الإدارة الأمريكية ارتباكًا بشأن رسم استراتيجية واضحة للتعامل مع الحرب في السودان، خاصة بعد مغادرة العديد من الخبراء المخضرمين في شؤون المنطقة من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.

خلص التقرير إلى أن قطر باتت تمسك رسميًا بخيوط العلاقة بين واشنطن والبرهان، مستفيدة من علاقاتها المفتوحة مع مختلف أطراف النزاع. وأكدت المجلة أن الدوحة ستواصل لعب هذا الدور في المرحلة المقبلة، بما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في صياغة مستقبل الحرب السودانية ومخرجاتها السياسية.

ردود الفعل على اللقاء

نتج عن خطوة لقاء البرهان بولس ردود متباينة في أوساط القوى السياسية والعسكرية، بين مؤيد ومعارض. ودعا الدكتور بكري الجاك، المتحدث الرسمي باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى دعم “هذا الاتجاه”، وقال: “نثمن أي جهد يقوم به حادب على حقن دماء السودانيين، بالعمل للوصول إلى سلام”، واصفا رافضي الحل السلمي التفاوضي، بأنهم «يتكسبون من استمرار الحرب»، وتابع: «ليس من الصعوبة تحديدهم بالاسم، سواء كانت قوى سياسية توظف الحرب للثراء أو للعودة للسلطة، أو قوى إقليمية ترى ألاّ تقف الحرب إلاّ وفقاً لتصوراتها لحماية مصالحها، حتى لو على حساب مصالح الشعب السوداني».

وقال عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف القوى المدنية الديمقراطية لقوى الثورة (صمود)، في منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، إن «البحث عن السلام ليس مذمّة، والجلوس إلى طاولة التفاوض ليس خيانة كما يصور دعاة استمرار الحرب»، مؤكداً أن الحل السياسي هو «المطلب العاجل لخلاص السودانيين من الكارثة الإنسانية» وضمان وحدة البلاد.

ورحَّب محمد عبد الحكم القيادي في تحالف «صمود» وحزب التجمع الاتحادي، بأي خطوة لإنهاء النزاع سياسياً «بإرادة سودانية»، مشيرا إلى أن مأساة الحرب تحتم على المجتمع الدولي التحرك العاجل.

على الجانب الآخر وصف الإعلامي عبد الماجد عبد الحميد الاجتماع على صفحته بمنصة «فيسبوك» بأنه «اختراق مهم» في الحوار المباشر مع واشنطن، بينما قلل آخرون من اللقاء بتغريدات ساخرة من الاجتماع مثل القول : «لقاءات سويسرا والمنامة أبناءُ ليلٍ واحد، ونهايتهما واحدة»، وهي إشارة لما عُرف باتفاق المنامة الذي وقَّعه عضو مجلس السيادة شمس الدين الكباشي وقائد ثاني «قوات الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية، وتراجع عنه الجيش بعد توقيعه بالأحرف الأولى.

وقال الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم المقرب من “صمود” إن اللقاء يمثل “أكبر ضغط مباشر” على قيادة الجيش منذ اندلاع الحرب، موضحًا أن واشنطن أرادت بدء التفاهمات من رأس النظام للاستماع إليه مباشرة وممارسة الضغط عليه شخصيًا، حيث أن تعدد مراكز اتخاذ القرار في بورتسودان، وفي القضية السودانية عمومًا، دفع الإدارة الأمريكية لاختيار البرهان مباشرة، معتبرًا أن استجابته تعكس حجم الضغوط التي تمارسها واشنطن، والتي تمتلك أوراقًا عديدة للتأثير على أطراف الصراع.

وأضاف شوقي أن الإدارة الأمريكية، وفق نهجها الحالي، تسعى لخفض القتال والتوترات عبر طاولة المفاوضات، مع امتلاكها خيارات متعددة، من بينها دعم طرف على حساب آخر، وفرض عقوبات، وصولًا إلى التدخل المباشر كما حدث في نزاعات أخرى بالمنطقة.

واعتبر أن هذا اللقاء هو الأهم منذ اندلاع الحرب، مشيرًا إلى أنه كشف عن حراك داخلي في الحكومة السودانية، وظهور تناقضات داخل المجموعات المؤيدة للحرب، خاصة بين الإسلاميين وقيادة الجيش، ما يعكس أن الأوضاع بلغت ذروتها، وأن المرحلة المقبلة ستتجه نحو حلول أو مواقف حاسمة لا تحتمل الغموض أو المواقف الرمادية، مشيرا أن أي رفض لاحق للتفاوض أو لنتائج اجتماعات سويسرا، حتى وإن لم تُعلن بالكامل، ستكون له تداعيات كبيرة على مسار الحرب والمشهد السياسي، ولن يمر بسهولة كما حدث في جولات جدة أو المنامة أو جنيف.

حظوظ المقترح الأمريكي

ذكر مراقبون أن المبعوث الأمريكي مسعد بولس عرض أربعة بنود في المقترح الأمريكي للسودان وهي: وقف لإطلاق النار مع ترتيبات لوقف الحرب، عودة النازحين واللاجئين، تسهيل وتسريع إرسال المواد الإغاثية من غذاء ودواء، والترتيب لإطلاق عملية سياسية تفضي إلى حكم مدني يستعيد التحول المدني الديمقراطي في السودان، بينما لم تحدد البنود من هم المدنيون الذين سيديرون المرحلة؟ ، وبرزت تخوف عند الوقوف على تفاصيل المشروع أنه ستكون هناك تعقيدات كثيرة سوف تظهر على الطاولة وعلى الأرض.

وعن مدى واقعية تنفيذ هذا المقترح الأمريكي قالت الباحثة المصرية أماني الطويل إنه “مقترح إجرائي” فيه نقطتان يسهل تنفيذهما فهناك آليات واضحة لتفعيلهما وهما وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، لكن المقترح به أيضا “مسألتان معقدتان جدا”، هما مسألة الحكم المدني ومسألة مستقبل المؤسسة العسكرية وطبيعة العلاقة بينها وبين المدنيين، وتساءلت الطويل أيضا عن عن “من هم المدنيون”، الذين سيديرون الأمر، وأوضحت أن “تعقيد الموقف السوداني قائم على أن الأطراف السياسية السودانية لا تقبل بعضها البعض”.

لم يكن اللقاء منصةً لمفاوضات، لأن الإدارات الأميركية دوماً تحاول استيعاب الأحداث بعد وقوعها ثم احتواءها، حيث ظلت العلاقات الأميركية موسومة بالارتباك، خصوصاً تجاه رأس السلطة في الخرطوم، ولذا يمكن القول أن مسعد بولس قد حمل إلى البرهان رسالةً ذات بعد واحد، وهي بالتأكيد ليست مشروعا للسلام، بل هي ضمن شغف ترامب لانتزاع جائزة صانع السلام، فرجال الرئيس الأميركي لا يتحركون بفهم متكامل لتعقيدات المشهد السوداني، ولكن يبدو أن قبول البرهان لقاء المسؤول الأميركي جاء على ضوء ما يحققه الجيش السوداني من تقدم واضح على الأرض، والمكاسب الميدانية خاصة الأخيرة في كردفان والتي تعطي الجيش أوراق قوة تفاوضية مباشرة، وتعيد تشكيل التوازن الداخلي بطريقة تصب في صالح مؤسسات الدولة.

سيناريوهات

لقاء البرهان ومسعد بولس يؤكد أن السودان عاد إلى دائرة الاهتمام الأميركي المباشر، وأي تسوية ستكون رهينة بالالتزام الميداني، وسيطرة الجيش على ميزان القوى، وهو ما يضع مجموعة من السيناريوهات سيفضي إليها لقاء البرهان بولس، يمكن تلخيصها في الآتي:

  • سيناريو مواصلة الجيش في الحسم العسكري لتقوية شروط التفاوض، وهو ما قد يفضي إلى شراكة أمنية سياسية مشروطة، يقدم فيها الجيش مرونة سياسية مقابل اعتراف دولي بدوره كضامن للأمن والاستقرار، مع دعم مالي وتقني، وفتح قنوات استثمارية دولية مستقلة.
  • سيناريو التفاوض على ضوء الحسم الميداني: حيث يعتمد الجيش على تفوقه الميداني لإخراج مليشيا الدعم السريع من مناطق ذات عمق إستراتيجي مثل ما تبقى من كردفان ودارفور، وفرض شروط تفاوضية قوية، مما يعزز نفوذ الجيش في الترتيبات السياسية المستقبلية، وتكتنفه مخاطر تتمثل في ارتفاع تكلفة الاستنزاف العسكري وتأثر الاقتصاد والأزمة الإنسانية.
  • سيناريو صفقة إستراتيجية كبرى تضمن إنهاء الحرب وفق شروط الحكومة السودانية، وتسوية شاملة تشمل حزمة اقتصادية من شركاء دوليين، مقابل إنهاء الحرب، ودعما اقتصاديا واسعا، مع بقاء النفوذ الأميركي والإقليمي حاضرا في أي مسار مستقبلي، الفرصة في هذا السيناريو الأخير تكمن في استقرار شامل وتدفق الاستثمارات، أما المخاطر فتتمثل في اعتماد بعض الملفات الإستراتيجية على شركاء خارجيين.

مراجع

محمد حسن إمام، ماذا دار في الكواليس الخفية بين البرهان ومستشار ترامب؟، الجزيرة نت، 21/8/2025، الرابط: https://shorturl.at/1zoFS

لقاء البرهان – بولس في زيورخ: هل يحدث اختراقًا في جدار حرب السودان؟، راديو دبنقا،  13/08/2025 ، الرابط: https://shorturl.at/3OKb9

أحمد يونس، مستشار ترمب يلتقي البرهان في سويسرا في مساعٍ لوقف حرب السودان، الشرق الأوسط،13 أغسطس 2025 م، الرابط: https://shorturl.at/YWqm9

صلاح شرارة، بولس يلتقي البرهان – هل تخمد واشنطن نار الحرب؟، دوتشيه فيله، 2025/8/13، الرابط:https://shorturl.at/UkqCr

عمر العمر، البرهان ومسعود بولس… لقاء زيورخ رسالة أميركية، العربي الجديد، 17 اغسطس 2025، الرابط:https://shorturl.at/ccYkM

قطر تتصدر الوساطة بين أمريكا والبرهان.. أسرار تكشف لأول مرة، صحيفة جسور، 30 أغسطس 2025، الرابط:https://shorturl.at/MSgri

كاتب

  • محمد خليفة صديق

    محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية وباحث بمركز الدراسات الإفريقية

محمد خليفة صديق

محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية وباحث بمركز الدراسات الإفريقية

أخبار ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى