كلمة رئيس مجلس الإدارة بمناسبة التحديث الأخير لمنصة دراسات الأمن والسلام

أيها الباحثون الكرام،

السادة المعنيون بصناعة السياسات واستشراف التحولات،

أصدقاؤنا في مراكز الفكر وشركاؤنا في الحقول البحثية والأكاديمية،

تحية عطرة، وبعد:

تمرّ الأمم في مساراتها التاريخية بلحظات فارقة، تتطلب إعادة التفكير في أدوات الفهم، ومنظورات التحليل، وشكل الحضور في عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا. وفي قلب القارة الإفريقية؛ حيث تتقاطع التحديات الأمنية بالتحولات الجيوسياسية والاقتصادية، نشأت الحاجة إلى صوت بحثي مستقل، يُنير الطريق، ويعيد الاعتبار لقراءة الواقع من منظور إفريقي نابع من الأرض والإنسان.

من هذا المنطلق، وبعد مشاورات طويلة، ومراجعات فكرية موسعة، مع نخبة من الباحثين والخبراء الأفارقة، بدأنا منذ عام 2023 العمل على تأسيس منصة بحثية تُعنى برصد القضايا الأمنية وصناعة السلام، وتُقدّم محتوى تحليليّاً يُعبّر عن الرواية الإفريقية الأصيلة، بعيداً عن القوالب الجاهزة، أو التصورات المفروضة من الخارج.

وقد أجمعتْ هذه النخبة العلمية والفكرية على أنّ هناك فراغًا كبيرًا في تناول الشأن الإفريقي من زاوية الأمن الشامل وصناعة السلام، لا منْ حيث الحدث فحسب؛ بل من حيث الجذور والسياقات والتبعات.

وعلى هذا الأساس، تأسست المنصة تحت اسم منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام؛ لتكون مساحة تفكير مفتوحة، تجمع بين التحليل الاستراتيجي، والرؤية الإفريقية، والاتصال بالمشهد الدولي.

ومنذ انطلاقتها الأولى، وضَعَت المنصةُ في مقدمة أولوياتها تمكين الباحثين الأفارقة من إنتاج معرفة ترتكز على الخصوصية الثقافية والبنيوية للقارة، مستلهمة من التجارب الدولية في تطوير الدراسات الأمنية، وعلى وجه الخصوص ما قدمته مدرسة كوبنهاغن التي ساهمت في إعادة تعريف المفهوم الأمني وفق أنساق مدنية وإنسانية، وهو ما وفّر مدخلًا علميًا للتفكير في كيف يمكن للباحث الإفريقي أنْ يُعيد موضعة قضايا الأمن ضمن بيئته وسياقاته المعقدة.

ومع مرور الوقت، وخاصة في العام 2024، بدأنا نوسع من نطاق رؤيتنا، لتشمل تتبّع الصراعات الدولية والتدافع الجيوسياسي والاقتصادي، وتفسير انعكاساتها المتزايدة على النُظُم السياسية والاقتصادية والأمنية في إفريقيا، وذلك إيمانًا بأنّ فهم الذات لا ينفصل عن فهم العالم، وأنّ مستقبل إفريقيا مرهون بقدرتها على التفاعل الذكي مع التحولات الدولية.

ثم جاء منتصف العام 2025 ليشكل محطة جديدة في مسار التطوير؛ حيث أطلق فريق العمل عملية تحديث شاملة للمنصة، شملت إعادة تصميم الهوية البصرية بما يعكس النضج المؤسسي والتوجّه الاستراتيجي، إلى جانب تطوير أدوات النشر العلمي، وتحسين تجربة المستخدم في الموقع الإلكتروني، لتلائم تطلعات الباحثين والمختصين وصناع السياسات على امتداد القارة.

وفي هذه المرحلة، قرر الفريق اعتماد اسم جديد أكثر دقة واتساقًا، هو: “ منصة دراسات الأمن والسلام“. وهو تعديل لغوي يعكس تطورًا دلاليًا مقصودًا، يعزّز وضوح الرسالة ويُبقي على الجوهر.

ولقد أثبتت التجربة أنّ إفريقيا ليست على هامش الأحداث؛ بل في قلب التدافع العالمي، وأنّ ما يجري من إعادة رسم للمصالح والتحالفات يتطلب رواية علمية وازنة، تنطلق من داخل القارة، وتُسهم في إعادة تعريف الأطر الناظمة للعلاقات الدولية من منظور إفريقي.

ومن هذا المنطلق، نعمل في المرحلة المقبلة على إصدار تصانيف بحثية دورية، تعالج بعمق واستبصار متغيرات القارة وتحولات العالم، ونفتح الباب أمام الباحثين والأكاديميين والممارسين لتقديم أوراقهم ودراساتهم ضمن هذا التوجه الجديد، الذي يجمع بين التحليل الرصين، والانحياز للمصلحة الإفريقية العليا، والتفكير المستقبلي المسؤول.

وختامًا، فإننا في منصة دراسات الأمن والسلام، نؤمن أنّ بناء السلام لا ينفصل عن فهم دوافع العنف، وأنّ ترسيخ الأمن لا يكتمل دون تشريح البُنى التي تنتجه أو تقوّضه. لذا، فإننا ندعو كل المعنيين بالمستقبل الإفريقي، باحثين، ومفكرين، وصناع قرار، ومؤسسات بحثية، للانخراط معنا في كتابة الرواية الإفريقية الجديدة، على أسس علمية، وأخلاقية، وإنسانية تليق بقارة ما زالت تُخفي في باطنها أكثر مما تُظهره في حاضرها.

مع خالص التقدير،

الأستاذ/ إبراهيم ناصر

رئيس مجلس الإدارة

منصة دراسات الأمن والسلام

 

كاتب

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى