الأزمات الإقليميةالحركات المسلحة

الصراع في السودان ونمط جديد من “أقلمة” الصراعات في أفريقيا 

يُظهر الصراع الدائر في السودان منذ اندلاع تمرد قوات الدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023 ملامح نمط متصاعد من أشكال النزاعات في المنطقة، وهو نمط مرشح لأن يترك آثاراً سلبية عميقة على كل من منطقة الساحل الكبير والقرن الأفريقي في المدى القريب، من حيث شدة الصراع واتساع نطاقه وخطورته. وتأتي هذه التطورات في سياق بيئة إقليمية تعاني بالفعل من أزمات مركبة تشمل الإرهاب والفوضى وعدم الاستقرار إلى جانب الكوارث الإنسانية المتكررة.

وفي هذا الإطار، نقلت تقارير إعلامية مؤخراً وقوع اشتباكات على الحدود الليبية بين عناصر من قوات الدعم السريع، التي تبسط سيطرتها على أجزاء واسعة من الحدود مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وبين عناصر من كتيبة “سبل السلام” التابعة للقيادة العامة لخليفة حفتر. كما شهدت الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى هجمات استهدفت قبائل سودانية، شاركت فيها عناصر من الفيلق الأفريقي (فاغنر).

 ولا يمكن النظر إلى هذه الحوادث، وإن بدت محدودة أو معزولة، بمعزل عن ديناميكيات الصراع السوداني الراهن وأبعاده الإقليمية المتشابكة، إذ تعكس في جوهرها عملية متسارعة لـ “أقلمة” النزاع، أي انتقاله إلى فضاءات أوسع تتجاوز السودان لتطال دول الجوار، بما يمهد لمرحلة إقليمية جديدة من هذا الصراع.

 نمط جديد من “الأقلمة”

 تتسم عملية “أقلمة” الصراع في السودان بملامح مغايرة للنمط التقليدي الذي ساد في صراعات أفريقيا خلال العقود الماضية. فهذه الأقلمة تقوم على إضعاف الدول المجاورة وأطراف إقليمية فاعلة عبر دعم منظم لتمرد داخلي يستهدف تقويض دولة أخرى (كما هو الحال مع السودان)، في بيئة إقليمية تتسم أصلًا بضعف دولها وهشاشة مؤسساتها. ويجري ذلك من خلال سياسات تؤدي إلى انتشار الأسلحة الفتاكة، وتوسيع نفوذ الجماعات المتمردة، ونقل الخبرات والتكتيكات القتالية المكتسبة من الحرب في السودان إلى دول الجوار، فضلًا عن تنامي أنشطة شبكات الجريمة المنظمة.

 ويختلف هذا النمط عن الأنماط الإقليمية السابقة، إذ حوّلت ميليشيا الدعم السريع ورعاتها الخارجيون إقليم دارفور – الذي يشكل نقطة تماس مع أربع دول وتتميز مناطقه بتداخلات قبلية معها – إلى مخزن ضخم للأسلحة المتطورة، وبؤرة لتجنيد وحشد المرتزقة المحليين والأجانب على حد سواء. وقد أسهم التواطؤ الدولي والإقليمي في التقليل من خطورة الصراع الذي سببه تمرد مسلح، حيث جرى اختزال التمرد في سرديات مضللة تصور ما يحدث على أنه مجرد “صراع جنرالين” على السلطة والثروة، بدلًا من توصيفه الصحيح كتمرد مسلح مدعوم من الخارج يستوجب دعم الدولة السودانية لاستعادة سيادتها. كما أن التغاضي عن انتهاك سيادة السودان واختراق حدوده الدولية لخدمة هذا التمرد يرسخ سابقة خطيرة تهدد أمن المنطقة برمتها.

وتنعكس مظاهر “الأقلمة” عمليًا في تراكم الأسلحة والعتاد العسكري المتطور، وتنامي قدرات المجموعات المتمردةوالإجرامية العابرة للحدود، بما يحولها تدريجيًا إلى شبكات منظمة تنشط في أكثر من دولة في آن واحد، وهو ما يؤدي إلى زعزعة استقرار دول ضعيفة أصلًا. وتتضاعف هذه المخاطر مع ازدياد تهريب الأسلحة وانتقال أساليب القتال المكتسبة (في السودان) ضد الجيوش النظامية، مضافًا إليها توسع أنشطة الجريمة المنظمة.

ومن شأن هذه التطورات أن تفرز مهددات أمنية جسيمة في المدى المنظور، غير أن معظم المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالأمن ومراكز تحليل المخاطر وآليات الإنذار المبكر تغفل عنها. فالمنطقة الممتدة من جنوب وشرق ليبيا مرورًا بدارفور والساحل الكبير وصولًا إلى جنوب السودان وأطراف القرن الأفريقي، مرشحة لمزيد من الاضطراب والانفلات الأمني.

ومع استمرار التواطؤ الدولي والإقليمي، فإن التداعيات المحتملة لا تقتصر على السودان فحسب، بل قد تمتد لتشمل أكثر من دولة، عبر نشر الفوضى وتشجيع التمردات المسلحة وتكريس بيئة فوضوية يصعب التحكم بها. فالسودان – رغم تحديات التمرد والتدخلات الخارجية – يظل حتى الآن حاجزًا جغرافيًا بين منطقتين هما الأكثر عرضة لتهديد الإرهاب، أي الساحل الكبير والقرن الأفريقي.

وقد حال نجاح القوات المسلحة السودانية في استعادة السيطرة على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد في الأشهر الأخيرة الماضية، بعد أن كانت مناطقها رهينة للفوضى والإجرام، دون تحول السودان إلى ساحة مفتوحة للجماعات الجهادية العابرة للحدود. ومن ثم، فإن استكمال تحرير دارفور سيُسهم في تقليص فرص التواصل بين هذه الجماعات في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، ويضع حدًا لإحدى أخطر شرور هذه “الأقلمة” الجارية حاليًا.

انتقال بؤر الصراعات

بالمقارنة مع تجارب التمرد التي شهدها السودان منذ فجر الاستقلال، تميزت مليشيا الدعم السريع بدعم إقليمي غير مسبوق، حيث جرى “تجنيد” بعض دول الجوار لتبني سرديات مضللة عن طبيعة الصراع، بل والمساهمة في استمراره عبر توفير الإمدادات والدعم اللوجستي، رغم الأدلة الموثوقة التي تثبت هذه الممارسات وإن كانت تُنكر علنًا.

وقد ارتهنت بعض الأنظمة في دول الجوار لمصالح ظرفية آنية، سواء تحت تأثير إغراءات أو وعود أو حسابات ضيقة قدمتها أطراف خارجية، وهو ما عرّض أمنها القومي واستقرارها الداخلي لمخاطر وعواقب جسيمة، ستنعكس عليها بصورة مباشرة نتيجة تورطها في الصراع السوداني.

وفي هذا السياق، أشرنا في مقالة سابقة بعنوان: “كيف رأت أفريقيا أزمة السودان.. قراءة في مواقف دول الجوار والمنظمات الإقليمية” (نُشرت في دورية “أفريكا فوكس” في آب/أغسطس 2025)، إلى أن التمرد الحالي لم يعد مجرد تمرد محلي، كما كان شأن التمردات التقليدية في أطراف السودان، ولا هو مجرد تمرد مدعوم أو منطلق من دول أخرى كما حدث في الماضي، بل تحوّل إلى مشروع تمرد تتبناه بعض دول الجوار بشكل مباشر، لتصبح شريكًا فاعلًا في إضعاف الدولة السودانية وتقويض سيطرتها على حدودها.

وبالنظر إلى مآلات الصراع وتداعياته في المديين القريب والمتوسط، يمكن القول إننا أمام نمط جديد من النزاعات يتجاوز الأنماط الإقليمية التقليدية المألوفة في القارة الأفريقية، والتي كانت تقتصر غالبًا على امتداد نزاع محلي محدود إلى بعض الدول المجاورة عبر تدفق اللاجئين أو تعقيدات العمل الإنساني، أو عبر دعم مؤقت لحركات متمردة. على العكس من ذلك، يتمثل النمط الحالي في دعم صريح ومباشر من عدة دول لتمرد خطير يستهدف دولة أخرى مجاورة.

وعليه، فإن أحد أخطر تداعيات هذا المسار هو انتقال الصراع من دارفور إلى دول الجوار، ليتحول إلى بؤر صراع متزامنة، تتغذى على شبكات المعارضة المسلحة العابرة للحدود، أو على تضامن قبلي وعرقي يمتد بين السودان وجيرانه. وهذا بدوره مرشح لأن يقود إلى نزاعات مسلحة على حدود السودان مع بعض دول الجوار، إما إلى حين استنزاف القدرات العسكرية للمليشيات وعلى رأسها الدعم السريع، أو حتى تتحرك تلك الدول لمواجهة هذه التهديدات، سواء بشكل منفرد أو عبر تنسيق مباشر مع السودان.

تدفق المرتزقة

يُعد تدفق المرتزقة أحد أبرز ملامح الصراع الراهن في السودان. فلم يقتصر تقصير بعض دول الجوار على تمرير الإمدادات والدعم اللوجستي لمليشيا الدعم السريع، بل تعدّى ذلك إلى التغاضي عن مشاركة مواطنيها أنفسهم في القتال كمرتزقة في صفوفها، وهو ما يشكل أحد أخطر التهديدات الأمنية لهذه الدول في المدى المنظور، خصوصًا وأنها تعاني أصلًا من وجود معارضات مسلحة نشطة، وتواجه تحديات مستمرة مرتبطة بالاستقرار والسلام الداخلي.

وإلى جانب هذا التواطؤ الرسمي، لجأت مليشيا الدعم السريع إلى استقطاب مرتزقة من دول الجوار القريب، مدفوعة إما بالمال أو بروابط التضامن القبلي، ما أسهم في إدخال كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتطورة إلى مسرح العمليات وانتشارها على نطاق واسع، بما في ذلك الطائرات المسيّرة (الدرونز). ومآل هذه التطورات هو أن ينتقل هؤلاء المرتزقة – عاجلًا أو آجلًا – لإشعال الصراع داخل بلدانهم الأصلية، ناقلين معهم خبراتهم القتالية وأساليب الحرب الحديثة.

وعليه، فإن دخول عنصر المرتزقة واستخدام المسيّرات يُمثلان العامل الأكثر خطورة في إعادة تشكيل طبيعة النزاعات المحتملة بدول جوار السودان. إذ أدى النزاع السوداني، مدعومًا بتورط خارجي إقليمي ودولي، إلى تعزيز قدرات المرتزقة والمجموعات المسلحة المعارِضة والمتمردة، ما يهدد بتحويل المنطقة بأسرها إلى فضاء صراعات معقدة وعابرة للحدود.

حزام الأزمات

في بيئة إقليمية تتسم بالهشاشة وضعف الأنظمة السياسية، كما هو حال معظم دول جوار السودان، تبدو التداعيات المتوقعة لعملية “أقلمة” الصراع في مراحله التالية خطيرة ووشيكة. فمع تراجع مليشيا الدعم السريع تحت ضغط العمليات العسكرية المضادة للقوات المسلحة السودانية في ولايتي كردفان ودارفور، يتصاعد الخطر على دول الجوار بصورة متزامنة.

بناءً على ذلك، فمن المرجح أن تشهد الحدود مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان موجات من الاضطرابات والأحداث الأمنية، إما بتحولها إلى خطوط إمداد دائمة لمليشيا الدعم السريع الساعية لتثبيت نفسها كـ”حكومة موازية”، أو بفعل تحركات سكانية واسعة نتيجة تقدم الجيش السوداني، أو من خلال اندلاع صراعات بين المكونات المحلية نفسها: بين المجموعات الموالية للمليشيا وتلك المناهضة لها. كما يُحتمل أن تتحول مناطق الحدود إلى ما يشبه “غرف عمليات” لدعم المليشيا ومساندتها في صد هجمات الجيش وحلفائه.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن السودان اليوم بات يقف على تخوم “حزام أزمات” إقليمي نشط يقوم على شبكات المرتزقة والصراعات الممتدة، يبدأ من ليبيا مرورًا بمالي وصولًا إلى أفريقيا الوسطى. وهذا الحزام لا يقتصر أثره على السودان وحده، بل يشكل مصدر تهديد أمني متصاعد يؤثر في مجمل المنطقة ويتأثر بتطوراتها في آن واحد.

سيناريوهات محتملة

 تتضح ملامح سيناريوهات “أقلمة” الصراع السوداني في ضوء تورط بعض دول الجوار بشكل مباشر في دعم مليشيا متمردة داخل السودان، وهو ما يتجاوز طبيعة التمردات المحلية التقليدية التي كان بإمكان الحكومة السودانية وقواتها الأمنية احتواؤها وإخمادها في فترة وجيزة.

أول هذه السيناريوهات يتمثل في دحر مليشيا “الدعم السريع” في داخل دارفور، وما يترتب على ذلك من تقويض كيانها الموازي الذي أعلنت عنه مؤخرًا. وفي هذه الحالة، ستلجأ فلول المليشيا إلى الفرار نحو دول الجوار القريب – تشاد، ليبيا، أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان – بما يعني انتقال مجموعات مسلحة إلى حدود هذه الدول. وسيكون أمام هذه الدول خياران أحلاهما مرّ: إما التعايش مع وجود هذه المجموعات وما تشكله من تهديد دائم لحدودها ولإستقرارها وأمنها الداخلي، أو مواجهة احتمالات تسرب الصراع إلى داخل أراضيها، متفاعلًا مع تعقيدات بيئتها المحلية.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في انتقال التمرد إلى ما وراء الحدود ليعزز شبكات المعارضة المسلحة في تلك البلدان، مما يُضعف قدرة حكوماتها على مواجهة تهديدات معارضاتها الداخلية. ويزداد هذا الخطر مع تشابك علاقات هذه المجموعات مع مليشيا  “الدعم السريع” على قاعدة المصالح المشتركة واستمرارية الحرب داخل السودان. إذ سيتعين على الدول التي سينتقل إليها فلول المليشيات الهاربة من السودان الدخول في مواجهات مباشرة مع هذه العناصر.

ويبرز أيضًا سيناريو ثالث أكثر تعقيدًا، وهو نمط “الاستيطان” داخل بعض دول الجوار. ففي حال فرار فلول المليشيا من السودان، قد يتحول وجودها في هذه الدول إلى استيطان دائم (سيكون تواجدًا هادئًا في المراحل الأولى ولكنه سرعان يتحول لاحقًا إلى تواجد نشط)، خاصة في ليبيا وأفريقيا الوسطى، نظرًا لمعاناتهما من الانقسام الداخلي وضعف الحكومات المركزية وعدم إحكام السيطرة على الحدود، فضلًا عن التداخلات القبلية مع السودان، فضلًا عن الشبكات المحلية ومراكز القوى التي أرستها في هذه الدول. وينطبق هذا السيناريو بدرجة أقل على تشاد، وربما على جنوب السودان، إذا ما طال أمد الصراع واستمر لفترات ممتدة.

الاستجابات المتوقعة

إن انتقال الصراع إلى إقليم دارفور وتقدم الجيش السوداني مدعومًا بالقوات المساندة له نحو استعادة السيطرة الكاملة على الإقليم وحدوده الدولية، لا يعني بالضرورة نهاية الحرب في دارفور. بل على العكس، سيواجه السودان تحديات جسيمة لإرساء الاستقرار في الإقليم، حيث ستتصاعد وتيرة الفوضى والاقتتال الداخلي. غير أن التحديات الأكبر ستقع على عاتق دول الجوار، التي ستجد نفسها أمام واقع أمني أكثر تعقيدًا.

فمن المرجح أن تلجأ فلول المليشيا المتمردة إلى عبور الحدود نحو دول الجوار، مستفيدة من البيئات المألوفة لها هناك ومن الشبكات والعلاقات القائمة مع مجموعات مقاتلة محلية. وحيال هذه التطورات، ستتباين استجابات دول الجوار وفقًا لحجم المخاطر التي تواجهها بعد انهيار المراكز القيادية والمعسكرات التابعة للمليشيا داخل دارفور، الأمر الذي سيحوّلها إلى مجموعات متفككة أكثر قابلية للفرار خارج السودان.

تشاد: يُتوقع أن تكون استجابتها الأسرع والأكثر حسماً. فمن المرجح أن تسعى لمنع أي وجود لفلول الدعم السريع على أراضيها، وإحباط أي محاولات للتعبئة (أو زيادة الاستقطاب الداخل) بين القبائل العربية أو بين اللاجئين القادمين من السودان ومكونات محلية تشادية. كما قد تتخذ خطوات صارمة بقطع خطوط الإمداد من أراضيها نحو السودان، وربما تصل إلى حد إغلاق الحدود بشكل كامل.

ليبيا: ستُعد من أكثر الدول تضررًا. إذ تحولت مؤخرًا إلى مركز لوجستي متقدم لمليشيا الدعم السريع، ما يجعلها مرشحة لتصبح قاعدة خلفية للمليشيا في حال هزيمتها في دارفور. غير أن سيطرة القوات المسلحة السودانية على مناطق مثل المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر، ومحور الصحراء قد تعزل فلول المليشيا عن عمقها القبلي والمساند في جنوب ووسط دارفور، مما يضعف قدرتها على الاستمرار في توظيف الأراضي الليبية كقاعدة خلفية لإستقبال وتمرير الدعم العسكري إلى داخل السودان.

أفريقيا الوسطى: يُتوقع أن تكون الأكثر تضررًا على الإطلاق. فهي تعيش منذ عام 2013 على وقع نزاعات مسلحة وصراعات طائفية، في ظل حكومة مركزية هشة وضعيفة السيطرة. وتُعد المناطق الحدودية مع السودان الأكثر اضطرابًا حتى قبل اندلاع الحرب، حيث كانت تشهد اشتباكات قبلية ومواجهات مسلحة متكررة. ومع اندحار المليشيا في دارفور، سيؤدي تدفق مئات الآلاف من اللاجئين نحو أراضيها إلى تفاقم التوترات، وربما إشعال صراعات جديدة بين المجتمعات المحلية واللاجئين، فضلًا عن احتمالات تأجيج العنف الطائفي القائم أصلًا بين المسلمين والمسيحيين. كما يُحتمل أن تتحول هذه المناطق الحدودية إلى منصات لإعادة تنظيم فلول المليشيا وشن هجمات داخل السودان.

جنوب السودان: إلى جانب ليبيا، لعبت مؤخرًا دورًا كمركز لوجستي لإمداد المليشيا. ومن المرجح أن يشهد تدفقًا واسعًا للاجئين الفارين من دارفور، بالتوازي مع تحوّل مناطقه الحدودية إلى بؤر نشطة لتجنيد المرتزقة وتوسيع شبكات التهريب والأنشطة العدائية، مما سيضعف استقراره الداخلي الهش أصلًا.

خاتمة

انطلاقًا من دروس الصراع في السودان منذ نيسان/أبريل 2023، يتضح أن تواطؤ بعض الأنظمة الحاكمة في دول الجوار، عبر انتهاك صريح لسيادة السودان وتهديد وحدته وسلامة أراضيه، والانخراط في أنشطة ترقى إلى مستوى العدوان الخارجي، شكّل سابقة خطيرة سيكون لها أثر بالغ على طبيعة العلاقات الإقليمية. فمثل هذه الممارسات لا تؤدي فقط إلى تقويض الثقة بين الدول وإضعاف آليات التعاون والتنسيق في مواجهة التحديات المشتركة، بل تدفع أيضًا نحو تبني سياسات مضادة أكثر خطورة من قبل السودان في المستقبل (كتدابير وقائية أو انتقامية ضد هذه الدول) كحروب الوكالة أو دعم حركات التمرد داخل الدول الأخرى.

 وفي ظل تراجع الاهتمام الدولي بالقارة الأفريقية لصالح قضايا استراتيجية أخرى، إلى جانب ضعف وهشاشة النظام الإقليمي الأفريقي وعجزه عن التعامل مع الأزمات، فإن الصراع السوداني، في مراحله المقبلة، مرشح لاكتساب أبعاد إقليمية أكثر تعقيدًا. وعليه، فإن التداعيات المحتملة لا تقتصر على السودان وحده، بل قد تُفضي إلى واحدة من أوسع موجات عدم الاستقرار والاضطرابات التي تطال عدة أقاليم في القارة الأفريقية.

 

كاتب

المصدر
تحميل المقال كـ pdf

أخبار ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى